لقاء المعلم الكبير:
عندما رجع موسى (ع) وصاحبه إلى المكان الأول، أي قرب الصخرة وقرب (مجمع البحرين) فجأة: {فوجدا عبدًا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علمًا} في هذه الأثناء قال موسى للرجل العالم وبأدب كبير:
﴿هل اتبعك على أن تعلمين مما علمت رُشدًا﴾.
في معرض الجواب نرى أنّ الرجل العالم مع كامل العجب لموسى(ع)
﴿قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾ (
4).
ثم بيّن ذلك مباشره وقال
﴿وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا﴾ (
5).
وكما سنرى فيما بعد، فأن هذا الرجل العالم كان يحيط بأبواب من العلوم التي تخص أسرار وبواطن الأحداث، في حين أنّ موسى (ع) لم يكن مأمورًا بمعرفة البواطن،وبالتالي لم يكن يعرف عنها الكثير، وفي مثل هذه الموارد يحدث كثيرا أن يكون ظاهر الحوادث يختلف عن باطنها، فقد يكون الظاهر قبيحًا أو غير هادف في حين أنّ الباطن مفيد ومقدّس وهادف لأقصى غاية.
في مثل هذه الحالة يفقد الشخص الذي ينظر إلى الظاهر صبره وتماسكه فيقوم بالاعتراض وحتى بالتشاجر.
ولكن الأستاذ العالم والخبير بالأسرار بقي ينظر إلى بواطن الأعمال، واستمر بعمله ببرود، ولم يعر أي أهميه إلى اعتراضات موسى وصيحاته، بل كان في انتظار الفرصة المناسبة ليكشف عن حقيقة الأمر، إلا أنّ التلميذ كان مستمرًا في الإلحاح، ولكّنه ندم حين توضحت وانكشفت له الأسرار.
وقد يكون موسى(ع) أضطرب عندما سمع هذا الكلام وخشي إن يُحرم من فيض هذا العالم الكبير، لذا فقد تعهد بأن يصبر على جميع الحوادث و
﴿قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا﴾ (
6)
مرة أخرى كشق موسى(ع) عن قمة أدبه في هذه العبارة،فقد أعتمد على خالقه حين لم يقل للرجل العالم: إني صابر، بل قال: إن شاء الله ستجدني صابرًا.
ولأن الصبر على الحوادث غريبة وسيئة في الظاهر والتي لا يعرف الإنسان أسرارها، ليس بالأمر الهيّن، لذا فقد طلب الرجل العالم من موسى(ع) أن يتعهد له مره أخرى وحذره
﴿قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا﴾ (
7)، وقد أعطى موسى العهد مجددا وأنطلق مع العالم الأستاذ.