عاصر الإمام الحسن العسكري (ع) عهد المتوکل وابنه المنتصر والمستعين ، وتصدى لمسؤولية الإمامة بعد الإمام الهادي (ع) عام ٢٥٣ للهجرة في عصر المعتز العباسي .
خاض الإمام العسکري عليه السلام کآبائه الکرام عليهم السلام ملحمة الکفاح السياسي لمواجهة الظلم والإرهاب، ولحفظ المبادىء والقيم والرسالة الإسلامية المقدسة کمهمَة أساسية من مهام القيادة والإمامة والتي شاء الله سبحانه أن يتحملوها . ولقد لاقى الإمام (ع) العنت والتضييق والإرهاب والملاحقة من الخلفاء العباسيين الثلاثة الذين عاصرهم کما تعرَض للاعتقال عدَة مرات من قبلهم.
کان آخر الذين عاصرهم الإمام هو المعتمد ، وکان خليعا ميَالا إلى اللهو واللذات منصرفا إلى العزف والغناء واقتراف المحرمات مما اوجب کراهية الناس له ، ولاقى الإمام عليه السلام على يدي المعتمد صنوفا مرهقة من الخطوب والتنکيل کما أحاطه بقوى مکثَفة من الأمن تحصي عليه أنفاسه وتطارد کلَ من يريد الاتصال به .
وقد عاني المجتمع خلال تلك الفترة من الفقر والأمراض في ظل اضطراب السلطة وسوء الإدارة ، بينما کانت قصور الخلفاء والحواشي وجواريهم تعجَ باللهو الماجن واللعب والبذخ بينما تفشى الوباء في العراق وحصد أرواح الآلاف .
في ظل هذه الأوضاع المأساوية ، لم تنس السلطة العباسية الإمام الحسن العسکري عليه السلام ، وأحاطته بالرقابة الدقيقة والمستمرة ، وأحصت عليه تحرَکه ، لتشل نشاطه وتحول بينه وبين ممارسة دوره القيادي في أوساط الأمة ، وهدايتها ورعايتها ولهذا لجأ الإمام إلى العمل في السر بعيدا عن أعين العباسيين وبناء جهاز من الأتباع والوکلاء وأحکم تنظيمه .
وکان مما يدفع العباسيين إلى ذلک حسدهم من مکانة الإمام العسکري عليه السلام في الأمة وخوفهم من ولده الإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف ، وقد أشار الإمام العسکري (ع) إلى ذلک في رسالة جاء فيها : ( زعموا أنهم يريدون قتلي ليقطعوا هذا النسل ، وقد کذب الله قولهم والحمد لله ) .
دسَ المعتمد له سمَا قاتلا أثّر فيه عليه السلام وألزمه الفراش عدَة أيام حيث عانى آلاما مريرة وهو صابر محتسب حتى استشهد وعمره ثمان وعشرون عاما وکان ذلک عام ٢٦٠ هـ .
وصيّة الإمام الحسن العسكري عليه السلام لشيعته:
أوصيکم بتقوى الله والورع في دينکم والاجتهاد لله وصدق الحديث وأداء الأمانة الى من ائتمنکم من برّ أو فاجر، وطول السجود وحسن الجوار فبهذا جاء محمد (ص)، صلوا في عشائرهم واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم ، وأدوا حقوقهم فإن الرّجل منكم إذا ورع في دينه صدق في حديثه وأدّى الأمانة وحسن خلقه مع الناس قيل هذا شيعي فيسرّني ذلک ، اتّقوا الله وکونوا زيناً ولاتکونوا شيناً, جرّوا إلينا کلّ مودّة وادفعوا عنّا کلّ قبيح فإنّه ما قيل فينا من حسن فنحن أهله وما قيل فينا من سوء فما نحن کذلک. لنا حق في کتاب الله وقرابة من رسول الله (ص) وتطهير من الله لا يدّعيه احد غيرنا إلا کذّاب. اکثروا ذکر الله وذکر الموت وتلاوة القرآن والصّلاة على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فإنّ الصلاة على رسول الله (ص) عشر حسنات. احفظوا ما وصّيتکم به وأستودعکم الله وأقرأ عليکم السلام.