4ـ التعظيم الرباني في الخطاب
من الخصائص التي دلت على أكمليته أنّ الله تعالى وقرّه في ندائه فناداه بأحب الأسماء وأسنى الأوصاف، كقوله: { يا أيُّها الرَّسُولُ } (10) ، و { يا أيُّها النَبِيُّ } (11) ، وقد نادى الأنبياء بأسمائهم فقال: { يَا آدَمُ اسْكُنْ أنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ } (12) ، وقوله تعالى: { يَا إبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا } (13) ، وقوله:{ يَا يَحْيَى خُذِ الكِتَابَ بِقُوَّة }(14) .
بل لم يكتف بذلك وإنما نهى حتى أمته أن تناديه: يا محمد، بقوله تعالى: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (15) ، فقد روي عن ابن عباس: أنّ الصحابة كانوا يقولون وينادون: يا محمد! أو: يا أبا القاسمّ فنهاهم الله تعالى عن ذلك إعظاماً لنبيه(16) .
5ـ اعتراف الجمادات له بالرسالة
منها: تسليم الحجر عليه(17) ، وحنين الجذع إليه(18) ، ونبع الماء من تحت أصابعه (صلى الله عليه وآله) (19) ، فإنّه أبلغ في خرق العادة من تفجيره من الحجر؛ لأن جنس الأحجار مما يتفجر منه الماء، وكانت معجزته بانفجار الماء من بين أصابعه أبلغ من انفجار الحجر لموسى (عليه السلام)، والتي لم تكن ولم تثبت لواحد من الأنبياء.
6ـ الاسراء والمعراج
ومما اختص به رسول الله صلى الله عليه واله عن غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معجزة الإسراء والمعراج فقد أسري به ببدنه وروحه يقظة من المسجد الحرام بمكة المكرمة إلى المسجد الأقصى وهو بيت المقدس بإيلياء في جنح الليل , ثم عرج به إلى سدرة المنتهى ثم إلى حيث شاء الله عز وجل ورجع مكة من ليلته.
وأكرم صلى الله عليه واله في هذه الآية العظيمة بكرامات كثيرة , منها: ما رأى من آيات ربه , وإمامته للأنبياء في بيت المقدس. فدل ذلك على أنه هو الإمام الأعظم والرئيس المقدم صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.
وقد ثبت الإسراء بالقرآن , كما ثبت المعراج بالمتواتر من الحديث , وإليه أشار القرآن قال الله تعالى { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } (20) وقال تعالى{ مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ٭ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ٭ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى٭ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى٭ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ٭ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ٭فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى٭فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ٭ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ٭ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى ٭ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى ٭ عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ٭ عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى ٭إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى٭ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى٭لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى } (21).
7ـ مفاتيح وخزائن الارض
أكرم الله عبده ورسوله محمداً صلى الله عليه و اله واختصه على غيره من الأنبياء بأن أعطاه مفاتيح خزائن الأرض وهي ما سهل الله تعالي له ولأمته من بعده من افتتاح البلاد المتعذرات والحصول على كنوزها وذخائرها ومغانمها واستخراج الممتنعات من الأرض كمعادن الذهب والفضة وغيرها.
خصائصه في الحياة الأخروية
لقد ادخر الله تعالى لنبيه أسمى المراتب وأشرفها مقاماً، فقد خصّه بالوسيلة، وهي أعلى درجة في الجنة، لا تنبغي لعبد من عباد الله.
وأوّل شافع يوم القيامة، بل له الشفاعة المطلقة، بل صرّحت جملة من الروايات(22) أنّه تحرم الجنة على الأنبياء حتى يدخلها النبي(صلى الله عليه وآله)، وإكرامه بالحوض دون الأنبياء.
كذلك ما دلّ على أنّ آدم وجميع من خلقه الله يستظلون تحت لوائه يوم القيامة، كما صرّح بذلك (صلى الله عليه وآله): ((بيدي لواء الحمد، تحته آدم فمن دونه))(23) .
فهل لنا أن نتعرّف على هذه الشخصية العظيمة والتي من أجلها فُضّلنا على سائر الأمم؟! ولكن هذه الأمة في الواقع لم ترعَ له حقاً رغم ما عرفته من مكانته وأفضليته عند الله سبحانه وتعالى، فلقد ابتلي (صلى الله عليه وآله) بهذه الأمة، فلا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم.
ـــــــــــ
1 . النساء: 113.
2 الكافي 1 : 90 / 5 ، باب الكون والمكان.
3 انظر: الكافي 3: 482ـ486، باب نوادر الصلاة؛ الخصال: 482 / 55 ، معاني الأخبار : 306 / 1 .
4 بحار الأنوار 16 : 406 .
5 الكافي 2 : 10 / 1 .
6 آل عمران: 81 .
7 الميزان في تفسير القرآن 3 : 335 ـ 336 .
8 . الحجر: 9.
9 . فصلت: 41و42.
10 المائدة : 41 .
11 الأنفال : 64 .
12 البقرة: 35 .
13 الصافات : 104 ـ 105 .
14 مريم : 12 .
15 النور: 63 .
16 انظر: الدر المنثور 5 : 110 .
17 انظر: الخرائج والجرائح 1 : 46 .
18 انظر: الخرائج والجرائح 1 : 26 .
19 انظر: الخرائج والجرائح 1 : 28 .
20 . الاسراء: 1.
21 . سورة النجم الآيات من 3 الى 18.
22 انظر: الخصال: 413 / 1 ، مناقب آل أبي طالب 1 : 189 .
23 مجمع الزوائد: 8 : 254 .